أهمية قصص الأطفال وحكاياتهم، ماهيتها ودورها ووظائفها، بقلم: عيسى حسن الجراجرة
مقدمة:يجمع جمهور المهتمين بأدب وثقافة الأطفال، أن للأطفال أدباً وثقافة خاصة بهم، وهو أدب غير أدب الكبار والبالغين، في سماته وخصائصه وأهمية دوره ووظائفه.
ويأتي هذا الرأي اعتماداً على ما كشفته العلوم الإنسانية المختلفة من حقائق ومعطيات ترى أن لمخاطبة الأطفال والاتصال والتواصل معهم وإبداع أدبهم وثقافتهم، أساليب وأنماط ووسائل خاصة بهم ومختلفة عن مثيلاتها في مخاطبة الكبار الراشدين وإبداع أدبهم ومعطيات ثقافتهم.
ويأتي الاختلاف بين الأدبين: بين أدب الأطفال وأسلوب مخاطبتهم، وبين أدب الكبار وأسلوب مخاطبتهم من وجود عالمين مختلفين متمايزين هما عالم الأطفال، وعالم الكبار الراشدين. وقد جاء هذا التمايز والاختلاف بين العالمين مما كشفته العلوم الإنسانية المختلفة من حقائق منها:
* إن الطفل طفل وليس رجلاً صغيراً أو مصغرا أي أن للأطفال عالمهم الخاص بهم المتميز والمختلف اختلافاً تاماً عن عالم الكبار من البالغين والراشدين.
* إن للأطفال أسلوبهم وطريقتهم الخاصة بهم في رؤية العالم والتعبير عنه
.* ماهية قصة الأطفال: قصة الأطفال فن قولي وكتابي، يعده الكبار خصيصاً للصغار والأطفال. والكاتب والمؤلف المبدع يكتب قصة الأطفال بعد أن ينقل عن الواقع ومنه، بعد إجراء عملية تسوية وموازنة بالحذف والإضافة من الواقع المصور والهدف المتوقع من القصة، وهو ينتقل من خلال القصة مما وقع بالفعل في المجتمع إلى ما يحتمل أن يقع، مع الاحتفاظ بالقيم الجمالية والفنية التي تتضمن التشويق والقبول من الأطفال، الطرف المتلقي لهذه القصص، لأن القصص التي تعجز عن إثارة قرائها والمتلقين لها وجذب اهتمامهم تفشل وتقصَّر عن أداء مهمتها ووظيفتها، التي أوجدها الإنسان من أجلها. وتبقى حاجة الإنسان المبدع والمتلقي على السواء للقصة والحكاية كبيرة، لما تقوم به القصة من وظائف وادوار متنوعة اجتماعية ونفسية وأخلاقية ودينية في تعليم الفرد الإنساني وتربيته، لإعداده لدوره مواطناً وإنساناً صالحاً، وصانعاً للخير لمجتمعه. ولهذا تصبح الحاجة لقصة الأطفال خاصة، وأدب الأطفال عامة، حاجة ملحة وأساسية، ترتفع بأهميتها ومكانتها، لتصل إلى حاجة الإنسان إلى الماء والهواء والفن والعمل.
ويدخل الكاتب المبدع لقصص الأطفال، حتى تقوم هذه القصص بمهماتها ووظائفها، حصيلة مناسبة من معارف مجتمعه وقيمة ومفاهيمه، وأنماطه الاجتماعية، وأساليب سلوكه، وأشكال الصلات الاجتماعية القائمة والمرغوبة، في قصصه بأسلوب وطريقة تجذب المتلقين، وتجعل العمل القصصي صالحاً من الناحية الفنية للقصة، وقادراً من ناحية أخرى، على القيام بالمهمات والوظائف الاجتماعية والنفسية واللغوية والقيمية التي يتوقعها المجتمع من الأدب القصصي.
* قصص الأطفال وحكايتهم نمط اتصال وتواصل، وطريقة تعلم وتعليم:
تهفو نفوس الأطفال في العادة للاستمتاع بالقصص والحكايات، وتشد ذواتهم للإصغاء إليها فيسعدون بها، وبما فيها من رواء وبهاء فيها وجمال، ومتعة وثقافة فتبعث في ذواتهم ونفوسهم حب الخير وقيم الحق والجمال والعدل، تخلق عندهم روح المرح والاستمتاع والمشاركة، ذلك لأن قصص الأطفال وحكاياتهم هي نمط اتصال وتواصل إنساني، وأسلوب تثقيف ووسيلة تعلم وتعليم في المجتمعات الإنسانية المختلفة، يستخدمان بمدى من الكفاءة وحسن الأداء والاستعمال، يختلف من مجتمع إنساني، إلى مجتمع إنساني آخر لنقل الأفكار والثقافة والقيم الأخلاقية والروحية المختلفة، وأنماط السلوك والأعراف والتقاليد والعادات.
* قصص الأطفال وحكاياتهم وسيلة إمتاع ومؤانسة وترويح:كما جرى تقويم قصص الأطفال من خلال وظيفتها الرئيسة والأساسية كأفضل نمط اتصال وتواصل، وأحسن أسلوب تعلم، وأبرع طريقة تعليم، ولكن بوظيفة أخرى هي وظيفة: "التطييب" لحياتهم، أي بواسطة الإمتاع والمؤانسة والترويح، بما في تلك القصص والحكايات من ألوان الخيال البارع المجنح الذي يفتن الألباب، ويمتع العقول بما في تلك القصص من أحداث، وما فيها من الشخوص والفرسان والأبطال وما لأولئك الأبطال والشخوص والفرسان من شخصيات آسرة، تأخذ بمجامع القلوب والنفوس. ولأن أطفال اليوم، هم أمل المستقبل وصنّاعة، وعلى عواتقهم تقع مسؤولية التغيير، ووظيفة البناء والتجديد، من ناحية ومهمة الإبقاء على القيم الإيجابية وعملية ضمان استمرارية الحياة في المجتمع في قممها الخيرة النقدية.
لهذا كله يتوجب أن يحسن المجتمع، اختيار ما يقدمه إلى الأطفال، من ثقافة وعلم ومعرفة ومعلومات، بواسطة القصص والحكايات، ليعرفوا ما ينفعهم منها، أي من قيم الحق والخير والعدل والأمن والمثل العليا، التي تساعدهم على أداء مهمتهم في مستقبل الأيام، عندما يشبون عن الطوق ويبلغون مبالغ الرجال.
* أهداف أدب الأطفال وقصصهم وحكاياتهم؟ومن أهم أهداف أدب الأطفال وقصصهم وحكاياتهم: هو ما يتعلم الأطفال من قصصهم وحكاياتهم، وهم يرافقون أبطال الحكايات، وشخوص القصص، وهم يحاولون جهدهم لاجتياز العقبات والصعوبات وما يواجهون في تلك القصص والحكايات من مشاق وأفراح وأتراح، وما يتعرضون له من آلام وأمال لينقلوا ما يرون ويشاهدون في تلك القصص والحكايات وما تشربوا من قيم، وأنماط سلوك وأساليب عمل، ومواقف مواجهة، إلى حياتهم الحقيقة عندما يعيشونها، فتساعدهم على مواجهة ما في الحياة من مشاق وأفراح وأتراح وآلام وأمال.
كما يخفف ذلك كله عن نفوسهم البريئة الطاهرة الآثار الإحباطية، بما يرون ويشاهدون في قصصهم وحكاياتهم، من رعب وسلام، وغدر ووفاء وقسوة وحنان، وبؤس وفرح، وحرب وانتصار، وانكسار وتدمير وخيانة وحقد، عندما يواجهون مثل هذه المواقف في الحياة الحقيقية.
ويتضح الدور التربوي والتعلمي التعليمي لقصص الأطفال وحكاياتهم، وذلك بهدف رعاية وتنمية أجنة الإبداع والابتكار، لدى الأطفال والصغار، إذا أخذنا بعين الاعتبار: ((أهمية عملية التقليد والمحاكاة))، عند بني الإنسان ودورها في عملية التربية والتعلم والتعليم الإنساني كواحد من أفضل الأساليب في: ((تشريب وتسريب القيم الخيرة النافعة النقية))، وذلك بواسطة تمثل الأطفال بوعي، ومن غير وعي في آن واحد، لنمط سلوك شخوص القصص، ومواقف أبطال الحكايات، فتترسب في دواخلهم، وتبقى في نفوسهم الأنماط السلوكية التي تمثلوها، وتتعمق في ذواتهم تلك المواقف وأساليب المواجهة الشجاعة، ويميلون إلى تقليدها ومحاكاتها في بداية الأمر، ثم ينتقل من التقليد والمحاكاة، إلى مرحلة السلوك الواعي بأنماط سلوكية على غرارها، بالسير في دروب الحياة على هديها، والتمثل بها، وتصبح جزءاً من تجاربهم الذاتية، فيؤثر كل ذلك في مستقبل الأيام على تكوين اتجاهاتهم ومواقفهم، وتشكيل مثلهم وقيمهم وأهدافهم في الحياة.
ومما يساعد قصص الأطفال وحكاياتهم على القيام بمهمتها التربوية والتعليمية والثقافية الجليلة، شغف الأطفال في مراحل طفولتهم المختلفة كلها، بالاستماع إلى القصص والحكايات، والاستمتاع بهذا الجنس الأدبي من ثقافة المجتمع مما يجعل نتائجها ودورها التربوي التعليمي مؤكداً، مما يبرز الاهتمام بوظيفتها وأهميتها، وما يبذل فيها من عناء وجهود لتسهيل وصولها إلى الأطفال بالوسائط والطرائق والأساليب المختلفة، بدءاً بالقصِّ والحكاية في الأسرة، ومروراً بنشرها في كتب قصص الأطفال، وانتهاء بتحويل قصص أدب الأطفال وثقافتهم وحكاياتهم إلى مسلسلات وحلقات إذاعية وتلفزيونية وسينمائية.
* أدب الأطفال وقصصهم تلبي حاجاتهم وتقدم لهم خبرات وتجارب حياتية:
كل ذلك يجعل أدب الأطفال وقصصهم، قادرة إلى حدود بعيدة، على تلبية الكثير من حاجات الطفولة، والاستجابة لها، لأنها تقدم أنماطاً من خبرات الحياة وتجاربها، فتعرض لهم أحيانا الشجاعة والصدق في صفائه، والحق والخير في بهائه، والإنصاف والعدل في إمضائه، والبهاء والجمال في روائه.
ومما يفتح المجال واسعاً على مصراعيه أمام أدب الأطفال وقصصهم لتعمل على توسيع مدركات الأطفال وتصوراتهم، وتفتح أبواب خيالهم ومجالاته، وتعمق انفعالاتهم، وتؤثر في إثراء مشاعرهم، وإغناء عواطفهم، وتزيد من استمتاعهم بالمغامرة، مما يخلق عندهم روح المغامرة والشجاعة ومعاني المروءة والجرأة، وتعلم الواحد منهم الحقائق الأولية للقيم الإيجابية البناءة، من حق وعدل وصدق وجمال مما يثرى مخزوناتهم من المعرفة والتجربة والممارسة، بوساطة: ((عمليات التشريب والتسريب)) لهذه القيم والتجارب والممارسات الإيجابية في البداية، ومن ثم يتمكن الواحد من الأطفال والصغار، بكفاية وقدرة على الإنجاز والأداء والتجريب والممارسة عندما يواجه الحياة الحقيقية وبسوية تفضل بدرجات غيرهم من الأطفال، الذين لم تتح ولم تتيسر لهم، ((عمليات التشريب والتسريب)) لهذه القيم والتجارب والممارسات الإيجابية، التي أتيحت للأطفال الذين تعلموا بالقصص واستمتعوا بالاستماع إليها، وإلى التحلي بالأخلاق والصفات والخصال الحميدة، من مروءة، وإقدام وشجاعة وشهامة وأمانة ووفاء أكثر من غيرهم.
وفصارى القول فإن أدب الأطفال وقصصهم تلبي حاجاتهم وتقدم لهم خبرات وتجارب حياتية، تثرى مخزوناتهم من المعرفة والتجربة والممارسة، بوساطة: ((عمليات التشريب والتسريب)) لهذه القيم والتجارب والممارسات الإيجابية المقدمة إليهم بوساطة أدب الأطفال وثقافتهم وقصصهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق